بسم الله الرحمن الرحيم
" قلنا مزحة ولا البد راح يرجع يحكينا .. تارى القصة عن جد ما بده يحاكينا "
احم ..
عفوًا , هل يضايقكم الصوت العالى للأغنية ؟ حسنًا سأخفض الصوت قليلاً .. مشكلتى أننى حين اسمع الرائعة جوليا بطرس اندمج بشدة مع الكلمات و اللحن, هذا غير الصوت الرائع للمطربة اللبنانية الشهيرة .
كعادتى أجلس .. ها ؟ أين ؟ ماذا ؟ فى الحمام ؟؟ رغم احترامى الشديد لكل الأمزجة إلا أنى اجده مكانًا غريبًا نوعًا للإبداع ! بالطبع أجلس فى ... ها ؟؟؟ برررررافوووو .. فى غرفتى .. فى الظلام ... و أمامى قدح ضخم من القهوة الفرنسية الرائعة !
اليوم أكمل موضوعى عن أتباع مبدأ " اذكروا الله يا كفرة " المرة الماضية تحدثت , كمثال , عن خطيب مسجد المنطقة التى اقطنها .. للأمانة , الرجل ليس دائما هكذا , احيانا نادرة يكون متزنًا فى خطابه , و إن اثار هلعى من حين لآخر بشخطاته المفاجئة وسط الخطبة !
اليوم اتحدث عن نوع جديد من تطبيق شعار " اذكروا الله يا كفرة " و هو التعصب و التشدد تجاه " الآخر ".
خلاصة حياة الإنسان على الأرض , بما تضمنته من رسالات و ابحاث و افكار , تعلمنا أن هناك دائما " آخر " يجب أن نحترمه و نراعيه و نُحسِن التفاعل معه لتستمر الحياة . المشكلة أن كثيرون لا يعترفون بهذا , و يتعاملون معه دائما على انه عدو , أو فى افضل الأحوال , خصم , يجب أن نهزمه و ندحره و ندمره تدميرًا .. و لهم فى هذا أساليب عدة تبدأ بالسباب و تنتهى , عياذا بالله , لإراقة الدم انهارًا !
و الآخر الذى اقصده فى هذا الموضوع بالذات هو غير المسلم , تحديدًا , أهل الكتاب من يهود و نصارى .
هؤلاء خلعت عليهم شريعتنا السمحة صفات عدة , أبرزها أنهم اهل ذمة , أى أنهم فى ذمتنا نحن المسلمين , أرواحهم و أموالهم و أعراضهم و مشاعرهم , أمانة فى أعناقنا إلى يوم الدين . و المفروض أن يكون المسلم أهل لتلك الأمانة .
لكن للأسف البعض يتعاملون مع اخواننا اهل الكتاب على انهم كائنات خطرة شريرة يجب أن نسحقها سحقا .. و لهذا مظاهر عدة :
- على سبيل المثال , نجد بعض الخطباء فى يوم الجمعة , يستنزلون اللعنات على اليهود و النصارى . قد يقول البعض , اليهود يستحقون اللعن , و لهم أقول : الصهاينة يستحقون اللعن , أما اليهود فهم أهل كتاب , بينما الصهيونى يخالف بصهيونيته كل آيات التوراة و الإنجيل و القرآن , بل يخالف الفطرة ذاتها ايضا !
و المنبر لم يُجعَل مهبطًا لللعنات ! بل هو منارة هداية ! و لا يليق بإنسان يحترم بيت الله ان يتلفظ فيه بلفظ اللعن ولو سرًا , الرسول عليه الصلاة و السلام لم يُبعَث لعانًا , و أنت ان كنت ترى أن هذا او ذاك , ضال , لا تلعنه .. ادع له بالهداية , فقدرة الله تعالى على الهداية هى نفس قدرته على اللعن ! فليكن اختيارك ان تدعو بالهداية فهو الدعاء الذى يليق بنا و بأخلاقنا .
- مثال آخر على مخالفة تعليمات الشريعة بصدد التعامل مع أهل الكتاب : من الطبيعى أن تدور من حين لآخر حوارات بين الأديان و المذاهب , لا بأس , لكن للحوار آداب و قواعد , و له ناسه و مختصيه , لكن للأسف نرى احيانًا من يعتبرون أنهم أهل لهذه المناظرات , فى حين أنهم لا يتمتعون بموهبة النقاش , و قد لا تزيد ثقافتهم الدينية على كتب "عذاب القبر " و أهوال يوم القيامة التى تباع على ارصفة المساجد , مع احترامى للجميع , بالتالى تتحول المناظرة من حوار بين الأفكار , إلى , عفوًا للتعبير , وصلة ردح عقائدية ! و العقائد جميعها بريئة من هذا الأسلوب !
و للأسف لا نرى , إلا فى ما ندر , خطيبًا يقوم يوم الجمعة ليحث الناس على حسن معاملة غير المسلم , او يقول لهم أن الرسول عليه الصلاة و السلام قال: من آذى ذميًا فقد آذانى " , و لا نجد من يقول أن لو كان اهل الكتاب لا يستحقون حسن المعاملة , ما كان الله تعالى أحل لرجالنا الزواج من نسائهم , و الزواج هو أبرز صور التراحم و المودة ! بل نجد للأسف من نسبة كبيرة منهم سبًا و لعنًا و شتمًا , فى الميكروفونات , الأمر الذى لكم ان تتخيلوا أثره السيىء على الوحدة الوطنية !
المفروض أن من يأخذ الدين و يؤمن به , يأخذه ككتلة واحدة لا تتجزأ , لا يقبل فقط آيات الويل و الثبور و عظائم الأمور , بينما يقلل من شأن نصائح التواد و التراحم و حسن الجيرة !
و العقل يقول أن من يعيش ببلد به اختلافات مذهبية او دينية , عليه أن يُدرِك حقيقة أن لا مكان لكلمتىّ "أنا " و " أنت " , الكلمة الصحيحة هى " نحن " !! فنحن جميعًا فى مركب واحد و مهمتنا الحفاظ على توازنه و سيره الواثق الآمن !
و ما يغيظنى ايضًا , افتاءات البعض أن المسيحيين لا يحق لهم المشاركة فى الحفاظ على الأمن ولا الإنخراط فى الجيش , و أن عليهم بدلاً من هذا أن يؤدوا الجزية ! الرد على هؤلاء , أن الجزية ليست نظامًا استحدثه الإسلام , بل هى تقليد متبع فى كل دولة تسيطر عليها قوة ما , فتأخذ الجزية من اهلها كمقابل للحماية , هذا كان قديما عندما كان المسلمون حديثو استقرار فى مصر , و كانوا اصحاب القوة العسكرية الوحيدة فى القطر المصرى , أما الآن فالمسلمون و المسيحيون أصبحوا يشكلون شعبًا واحدًا , يشترك فى مواجهة الأزمات و التهديدات و تحمل تبعات الكوارث و الملمات .. فعلى أى اساس نأخذ الجزية ؟ و عن استبدال الخدمة العسكرية بالجزية اقول , ما دمنا شعبًا واحدًا , فبأى حق تحرم طائفة من الشعب طائفة أخرى من حق دفاعها عن وطن تشترك فيه الطائفتان ؟
هذه الفئة التى تسيىء فهم تعاليم الدين بشأن أهل الكتاب , لا تمثل الإسلام , بل تمثل الجهل و التعصب و الظلم , و هى صفات جاء الإسلام لينزعها من العالم نزعًا !
اتقوا الله فى دينكم ! لو فهمتم حقًل لماذا انتشر الإسلام و دخل فيه الناس افواجًا ما كنتم تعتنقون مذهب التعصب الدينى الأعمى
" بسم الله الرحمن الرحيم . إذا جاء نصر الله و الفتح . و رأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجًا . فسبح بحمد ربك و استغفره إنه كان توابًا . صدق الله العظيم "
هل تفهون معنى هذا الكلام الكريم من رب العرش العظيم ؟ إنه يأمرنا إن كانت لنا الغلبة فى بلد أن نسبح و نحمد و نستغفر . لا أن نلعن و نعادى و نجور !
و تذكروا أن الله تعالى حملنا دماء و اعراض و اموال أهل الكتاب فى هذا البلد , أمانة . فلنكن أهلاً لها , فهذا اختبار إلهى , بئس عاقبة من يفشل فى إجتيازه !
تحياتى
وليد
الإسكندرية
13من مايو 2006م